• 2022-05-18

الروتين المظلوم

دائماً ما يردد البعض القول.. "الروتين ممل، اللي نصبح فيه نِبَات فيه، الروتين يقتلني، أنا أصبحت أكره الروتين"، هذه كلمات نسمعها ذماً وسبَّاً في (الروتين)، ومعنى الروتين: هو التَّعَوُّد على عمل ما أو إجراء مكرر، وهي كلمة أصلها فرنسي وتعني تكرار عمل أو سلوك بشكل دوري. وبهذا المعنى يتبين أن معظم الأشخاص لديهم جزء من أعمالهم يخضع للروتين؛ ما بين أعمال معتادة أو رتيبة في عملهم أو في بيتهم أو في دراستهم.
وبالنظر إلى إيجابيات الروتين وفوائده؛ التي تعود على من يلتزم بالروتين، هو أنه لا يجد صعوبة في تنفيذ تلك الأعمال؛ حيث تعودت النفس والعقل والجوارح على وقت وطريقة التنفيذ، فالأعمال الروتينية مضمون تنفيذها بسهولة، علاوة على أن وضع جملة من الأعمال في صندوق الروتين دون بعثرتها على مدار اليوم يجعل العقل الباطن يتعود عليها فيسهل تنفيذها، لذلك يصبح الروتين محموداً وليس مذموماً، بل نجده مطلوباً.
فالشخص الذي يتعود على نظام معين في حياته ويضع لنفسه برنامجاً ثابتاً ليومه قد وضع قدمه على سُلَّم النجاح والإنجاز، وسيُحَصل أكثر مما يُحصل عليه الآخرون ويُحقق ما خَطط له، ولعل مما هو معلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له نظام روتيني كل ليلة عند قيام الليل، وقد قال عليه الصلاة والسلام "أَحبُّ الأعمال إلى الله أدْوَمُها وإنْ قَل".
إذاً لماذا يظلمون الروتين؟ ولماذا أصبح الروتين سيء السمعة؟ ولماذا يَصعب على الإنسان التَّقَيُّد ببرنامج من الأنشطة المتكررة لمدة من الزمن؟ للإجابة على هذه الاستفسارات المنطقية؛ بحثنا في نفسية الشخص الذي يقصف الروتين بكرات من الظلم والتَجَنِّي، فتبين أن ضِعاف الإرادة دائماً ما يصعب عليهم الالتزام بنظام معين لفترة من الزمن، وعادةً لا يعود على نفسه بالتقصير بل يعود على النظام نفسه ويذمه وينعَته بالروتين الممل، إضافة إلى أن البعض يريد أن يعمل بشكل همجي، وفي ظل يوم من المهام المبعثرة، وفي ظل مواقف كلها رد فعل، فحينما يُعرض عليه النظام والترتيب والبرنامج الثابت، الذي يُتيح الإنجاز بشكل سلس، يرفض ويقول كلمة باتت مشهورة "أنا لا احب الروتين"، ومثل هذا نقول له "أنت لا تستطيع أن ترتقي لمستوى العمل بالروتين".
وكذلك يفهم البعض الروتين على نحو خاطىء، فينظر إلى الروتين على أنه نظام متحجِّر ينكسر عليه الإبداع أو الطوارىء او التغييرات، وهذا تجاوُز شديد وعدم فهْم للمقصود بـ(الروتين)، فقد جاء الروتين لبرمجة مجموعة أنشطة على الفرد القيام بها بشكل متكرر مع قبوله لأية متغيرات تطرأ أو أي جديد.
وإذا كان الأمر هكذا كما أوضحنا عن حقيقة الادعاءات غير السليمة، فلابد أن نرد التجاوزات على أهلها ونعيد للروتين اعتباره، وذلك بحثّ كل فرد والإيعاز إليه إذا ما كان يريد أن ينجح في حياته وأن يحقق إنجازاً في كل يوم على أن يُطَوِّع جزءاً من يومه وفق نظام روتيني، وذلك برصد مجموعة من الإجراءات أو الأنشطة سواء كانت عبادية، تعليمية، تنموية، اجتماعية، مهنية عملية، صحية ...إلخ يجب عليه تنفيذها.
من هنا نكون قد قدمنا الاعتذار للروتين وأعطيناه حقه؛ ليعمل فينا نحن المستشرفين للنجاح والإنجاز.


آخر أخبار د.علي عبدالغفار

  • حينما يسبق الأفراد القيادة

    2022-12-21

    القيادة بمثابة الرأس للجسد؛ فهي القاطرة التي تقود المؤسسة أو الكيان إلى النجاح والتقدم، والتاريخ مليء بقيادات غيَّرت وجه التاريخ، وأولها بالطبع القائد الأعظم صلى الله عليه وسلم، فإذا كانت القيادة بهذه الأهمية وهذا التأثير فلابد لها من مجموعة خصائص وم...

  • إدارة الأسرة قبل إدارة الشركة

    2022-10-16

    ذهبت الزوجة إلى زوجها مدير الشركة، وعند دخولها مكتبه توقفت باندهاش أمام مشهد عجيب لم تره منذ زمن بعيد، فقد رأت زوجها مدير الشركة جالساً مع مجموعة من العاملين يسمع لهم ويناقش مشاكلهم ويمازحهم. وفي حالة أخرى ذهب الولد إلى أبيه مدير الشركة، وفجأة انزوى...

  • إدارة الذات قبل إدارة المؤسسات

    2022-09-16

    لو سألت مدير شركة أو مؤسسة عن معلومات وبيانات شركته لَأفاض عليك وزيادة بتقارير شفوية وأخرى مكتوبة، لكنه يقف ولا يحرك ساكناً حينما تسأله عن معلومات حول شخصيته، وعن معرفة ذاته وعن ميوله ونقاط قوته وضعفه، ولسان حاله يقول "من أين أُحضِر لك هذه المعلومات ...

  • نمط الإدارة ونجاح المؤسسات

    2022-07-19

    يكفي أن تبلغني عن كون هذه المؤسسة ناجحة أو خاسرة حتى أرد عليك وأنا في مكتبي عن طريقة ونمط الإدارة والممارسات الإدارية التي تتم داخل تلك المؤسسة، وهذا ليس سحراً ولا ادعاء الغيب لكنه علم؛ حيث إن كل شيء له دلالاته ومؤشراته التي تُنبىء بالنتيجة، فالنجاح ...

  • شيخوخة المؤسسات والتنظيمات

    2022-06-19

    لطالما سمعنا عن وصول الإنسان إلى مرحلة الشيخوخة باعتباره كائناً حياً، ومن سنن الله في خلقة أن يمر الإنسان بمراحل عمرية حتى يصل إلى مرحلة الشيخوخة ثم إلى نهاية عمره. أما عندما نسمع من يقول إن المؤسسات والتنظيمات لها مراحل عمرية تصل بها إلى مرحلة الشي...